هذه المقالة هي تتمة المقالة السابقة التي جاء فيها تعريف البناء للمجهول، وآراء النحاة حول هذه الظاهرة، وأغراض البناء للمجهول، وشروط بنائه للمجهول. يمكنك الاطلاع عليها من هنا: مقالة البناء للمجهول.
مقالة بيد (غزلان الكن) أستاذة باحثة.
نائب
الفاعل:
الأصل
أن ينوب المفعول به عن الفاعل المحذوف في الجملة، ولا يجوز لغير المفعول أن ينوب
عن الفاعل ٳذا وجد في الجملة على رأي الأغلبية.
فقد كثرت الخلافات حول أولوية الإنابة في حالة تعدد المفاعيل، وقد تنوولت من
مجموعة من الزوايا، فالقدماء ناقشوا مسألة ما يصح أن ينوب عن الفاعل، فأجملوها في
أربعة أشياء:
- المفعول به،
- والمصدر،
- والظرف،
- والجار والمجرور.
ٳلا أنهم
اشترطوا في عملية البناء لغير الفاعل، أن يكون الفعل حاملا لسمة التعدية، فلا يمكن
لفعل لازم أن يُبنى لغير الفاعل حسب رأيهم.
وفي هذا الصدد يقول
"الأنباري[1]"
في أسرار العربية:
" فٳن قيل فهل يجوز أن يُبنى الفعل الازم للمفعول به؟ قيل: لا يجوز
ذلك على القول الصحيح، و قد زعم بعضهم أنه يجوز، و ليس بصحيح، ٳلا أنك لو بنييت
الفعل اللازم للمفعول به، لكنت تحذف الفاعل، فيبقى الفعل غير مسند ٳلى شيء، وذلك
محال، فٳن اتصل به ظرف الزمان، أو ظرف المكان، أو المصدر، أو الجار و المجرور، جاز
أن تبنيه عليه و لا يجوز أن تبنيه على الحال، لأنها لا تقع ٳلا نكرة."
"ولا يبنى الفعل اللازم
للمجهول ٳلا مع الظرف أو المصدر المتصرفين المختصين، أو المجرور لذي لم يلزم الجار
له طريقة واحدة، نحو سيرَ يوم الجمعة، و وُقِف أمام الأميرِ، و جُلسَ جلوس
حسن، و فُرحَ بقدوم محمد، بخلاف اللازم نحو عند، و ٳذا، و سبحان، و معاذ."
يقول ابن يعيش[2]:" تقيم
هذه المفاعيل شئت مقام الفاعل وه مستوية في ذلك، فنقول: سير بزيد فرسخين يومين
سيرا شديدا، فتقيم الجار و المجرور مقام الفاعل لأنه في تقدير المفعول به...و يجوز
أن تقول سير بزيد فرسخان يومين سيرا شديدا، فٳن أقمت اليومين مقام الفاعل جاز
أيضا...فٳن أقمت المصدر مقام الفاعل قلت، سير بزيد فرسخين يومين سيرشديد، ترفع
الذي تقيمه مقام الفاعل و تنصب سائر أخوانه".
ولكي نوضح أكثر فٳننا سنقف على كل عنصر من هذه العناصر، و الشروط التي يجب أن تتوفر فيها حتى تستطيع أن ترتقي ٳلى مكان الفاعل.
الظرف:
أن يكون متصرفا:
يقول ابن عقيل[3] في شرح الألفية:
"... مما لا يصلح للنيابة، كالظرف الذي لا يتصرف، و المراد به: ما لزم النصب عل الظرفية، نحو: ((سَحَرَ))، ٳذا أُريد به سحرُ يومٍ بعينه، نحو: ((عندكَ))، فلا تقول: ((جُلِسَ عندك، و رُكبَ سَحرُ))، لئلا تخرجها عما استقر لهما في لسان العرب من لزوم النصب". و بالتالي فالظرف الملازم للنصب على الظرفية لا يصلح لنيابة.
أن يكون مختصا:
و المقصود بالمختص أن توضح وتحدد معناه كلمة أخرى: بالاضافة أو النعت، أو العلمية، أو بيان نوع، أو عدد، وهذا ما عبر عنه ابن عقيل[4]: " و مما لايصلح لنيابة...ما لا قاعدة فيه: من ظرف، و مصدر، و جار و مجرور، فلا تقول: ((سِير وقتٌ))... لأنه لا فائدة في ذلك."
و يشترط له شرطين كذلك:
" وأما المصدر فيصلح لنيابة عن الفاعل بشرطين...أن يكون متصرفا...والمراد بالتصرف
ألا يلازم النصب على المصدرية، و إنما ينتقل بين حركات الاعراب المختلفة، فتارة
يكون مرفوعا، وأخرى يكون منصوبا أو مجرورا، على حسب حالة الجملة،
مثل: فهم، جلوس،
تعلم...، نحو الفهم ضروري للمتعلم، إن الفهم ضروري...فان كان المصدر ملازما النصب
على المصدرية لم يكن متصرفا، ولم يصح اختياره للنيابة عن الفاعل، مثل ((معاذ))، فانه
مصدر ميمي لم يشهر استعماله عند العرب الا منصوبا مضافا نحو: معاذَ الله أن
الأمن"[5]
أن يكون مختصا:
" و المراد
بالاختصاص أن يكتسب المصدر من لفظ آخر معنى زائداعلى معناه المبهم، المقصور على
الحدث المجرد، ليكون في الاسناد اليه فائدة، فالمعاني المبهمة المجردة مثل: (
قراءة، أكل، سفر...)، يدل كل منهما على معناه الذي يفهم من لفظه نصا على أنها
قراءة سهلة أو صعبة، نافعة أو ضارة..."[6]
كذلك الجار و المجرور قد اشترط له النحاة شرطان:
أن يكون متصرفا:
" و
المراد بالاختصاص أن يكتسب الجار مع مجروره معنى زائد فوق معناهما الخاص بهما، و
يجيئهما هذا المعنى الزائد من لفظ آخر يتصل بهما كالوصف أو المضاف إليه، أو غيرهما
مما يكسبهما معنى جديدا فتحصل الفائدة المطلوبة من الاسناد".
ويقول: "
ومن أمثلة الجار و المجرور المستوفين للشروط : أُخد من حقل ناضج، قطع في طريق
الماء، فلا يصح: أخد من حقل قطع في الطريق"[8].
إذا من خلال تعرفنا على النماذج التي تنوب على الفاعل، السؤال الذي يتبادر إلى أذهاننا هو : ما حكم نيابة غير المفعول به إذا وجد المفعول به؟ و ما الاحق بالانيابة عند وجود نوعين مختلفين أو أكثر؟
جاء في شرح ابن عقيل:
ولا ينوب بعض هذه إن وجِدَ /// في اللفظ مفعول به وقد يرد
حيث يقول: "مذهب البصريين -إلا الاخفش- أنه إذا وجد بعد الفعل المبني لما لم يسمى فاعله:
- مفعول به،
- ومصدر،
- وظرف وجار و مجرور،
تعين إقامة المفعول به مقام الفاعل، فتقول: ضُرب زيدٌ ضرباً شديداً
يوم الجمعة أمام الأمير في داره، ولا يجوز إقامة غيره مقامه مع وجوده، وما ورد من
ذلك شاذ أو مؤول، و مذهب الكوفيين أنه يجوز إقامة غيره و هو موجود: تقدم أو تأخر،
فتقول: ضُرب ضَربٌ شديد زيداً، و ضُرب زيداًضربٌ شديد، و كذلك في الباقي،
واستدلو
لذلك بقراءة أبي جعفر:
" لم يعن بالعلياء إلا سيداً، حيث ناب الجار و المجرور، وهو
قوله بالعلياء عن الفاعل مع وجود المفعول به في الكلام وهو قوله سيداً، والدليل
على أن الشاعر أناب الجار و المجرور، ولم ينب المفعول به، أنه جاء بالمفعول به
منصوبا، ولو أنه أنابه لرفع، فكان يقول: لم يعن بالعلياء إلا سيدا".
ويضيف ابن عقيل في شرحه رأيا آخر، وهو رأي الاخفش حيث يقول:" ومذهب الأخفش
أنه إذا تقدم غير المفعول به عليه جاز إقامة كل واحدمنهما، فتقول: ضُرب في الدار
زيدٌ، و ضُرب في الدار زيداً، و إن يتقدم تعين إقامة المفعول به نحو: ((ضُرب زيدٌ
في الدَّار))، فلا يجوز ((ضُب زيداً في الدار))".[10]
إذا فالمذهب الأول الذي هو مذهب البصريين، يتعين نيابة المفعول به عن الفاعل مع وجود المصدر، و الظروف، و الجار و المجرور.
لكن رأي المذهب الثاني أي مذهب الكوفيين، فهم يوجزون نيابة المفعول به أو غيره مع
وجود المفعول به سواء تقدم المفعول به أو تأخر.
لكن مذهب الأخفش فيه تفصيل، فإن
تقدم غير المفعول به على المفعول به جاز أن يكون كل واحد منهما نائبا عن الفاعل،
لكن إذا تقدم المفعول به على غيره تعين نيابة المفعول به عن الفاعل وهذا فيه
تفصيل.
ونجد في النحو الوافي لعباس حسن قوله:
" إذا وجد أكثر من واحد صالح
للإنابة لم يجز أن ينوب عن الفاعل إلا واحد فقط، لإنابة نائب الفاعل، كالفاعل لا
يتعدد، لكن ما الأحق بالنيابة عند وجود نوعين مختلفين، صالحين، أو أكثر؟
يميل كثير
من النحاة إلى الرأي القائل باختيار المفعول به دائما ليكون هو النائب، و يفضلونه
على غيره...ففي أنشد الشاعر القصيدة انشادا بارعا في الحفل أمام الحاضرين، يكون
الأفضل عندهم – حيث بناء الفعل للمجهول – اختيار المفعول به نائبا، فيقال: أنشدت
القصيدة انشادا بارعا، في الحفل أمام الحاضرين، و لا مانع ترك الأفضل واختيار
غيره، كما قالوا".[11]
ويعطي
عباس حسن رأي بقوله:" والحق أن الرأي السديد الأنسب هو أن نختار من تلك
الأنواع ماله الأهمية في ايضاح الغرض، و ابراز المعنى المراد من غير تقيد بأنه
مفعول به أو غير مفعول به، و أنه أول أو غير أول متقدم على البقية أو غير متفدم".[12]
عند بناء الفعل إلى المجهول تحدت له عدة تغيرات عادة ما تقتصر فقط على حركات الحروف، فعندما نحول الفعل من البناء للمعلوم إلى البناء للمجهول، تحدث جملة من التغيرات الصوتية والصرفية،
وتختلف هذه
التغيرات بحسب طبيعة الفعل، وكذلك بحسب صفاته الصرفية يعني ما إذا كان هذا الفعل
صحيحا، أو معتلا، إذا كان مجردا أم مزيدا و يحترم الزمن كذلك.
ونجد الأنباري في
أسرار العربية يقدم تعليق حول استعمال هذا الوزن الذي هو "فُعِل"
دون غير من الأوزان، و التي أجملها في كون أن الضم في فاء الفعل هو دلالة على حذف
الفاعل، و الكسر في عينه لأمن التباس هذا البناء، ويعبر عن ذلك بقوله:
" إنما
ضموا الأول ليكون دلالة على المحذوف الذي هو الفاعل، إذ الرفع من علاماته، وإنما
كسرا الثاني لأنهم لما حذفوا الفاعل الذي لا يجوز حذفه، أرادوا أن يصوغوه على
بناء لايركه فيه أحد من الأبنية، فبنوه على هذه الصيغة فكسروا الثاني لأنهم لو
ضموه لكان على وزن طُنب، و جُمل، ولو فتحوه لكان على وزن نُفر، و طُرد، ولو
أسكنوه، لكان على وزن قُلب، و قُفل، فلم يبق إلا الكسرفحركوه به"[13]
أما الاستربادي في شرح الكافية، فيبرر استعمال هذا الوزن الذي وصفه بالثقيل، بقوله: " و إنما اختيرهذا الوزن الثقيل دون المبني للفاعل لكونه أقل استعمالا"[14]، وابن يعيش في شرح "المفصل" يقول: " وقيل إنما ضُم أوله لأن الضم من علامات الفاعل، فكان هذا الفعل دالا على الفاعل، فوجب أن يوسم بحركة دالة عليه"[15]
وعليه فان هذه الصيغة تم اختيارها لدلالة على التحول من البناء للمعلوم إلى البناء للمجهول، و لذلالته على حذف الفاعل، وذلك بضم أوله الفعل.
البناء للمعلوم |
البناء للمجهول |
||
الماضي |
المضارع |
الماضي |
المضارع |
يكْتُبُ |
يكْتُبُ |
كُتِبَ |
يُكْتَبُ |
يدعو |
يدعو |
دُعِيَ |
يُدْعَى |
يعدُ |
يعدُ |
وُعِد |
يوعَد |
يقول |
يقول |
قِيلَ |
يُقال |
الأفعال
الملازمة للبناء للمجهول:
عرض سيبويه لهذه المسألة بشئ من التفسير،
في باب عنونه ب "هذا باب ما جاء فُعِل منه على غير فعلته".[1] حيث
يقول: " فاذا قالوا جُنَّ، و سُلَّ، فانما يقولون فعل فيه الجنون و السل،
و إذا قالوا جننت فكأنهم قالوا جعل فيه الجنون، كما أنه إذا قال أقبرته فانما
يقولون وهبت له قبراً و جعلت له قبراً".
ويقوم تفسير سيبويه هنا على أن الصيغ الأصلية غير مستعملة وقد عوضها العرب بصيغة "أفعل"، أجن الله فلانا بدل الصيغة المتروكة جنَّ الله فلاناً، فصيغة "أفعل" هي بدل وعوض عن "فُعل".
أما ابن يعيش في شرح المفصل، يقول: " ومنهم من يقول هذا باب قائم بنفسه، وليس معدولا عن غيره و احتج بأن تم ينطق بفاعلها مثل جُن زيدٌ، و حُم بكرٌ".[2]
ومعنى
هذا أن هذا النوع من الأفعال أصل قائم بذاته، وليس محولا، لأنها لزمت هذا البناء
ولم تخرج عنه، فهي فرع رابع مضاف إلى فَعلَ، فَعِل، فعُل، وهذا يجعلنا نقف على على
ابعاد هذه الصيغ من الاشتقاق و التصريف، إذ لم تشتق من غيرها، و لا يمكن اشتقاق
أفعال منها، و هذا يعني أنها أفعال جامدة.
و يقول عباس حسن في النحو الوافي: " ورد عن العرب أفعال ماضية تشتهر بأنها ملازمة للبناء للمجهول، سماعا عن أكثر قبائلهم، وهي الأفعال التي يعتبرها اللغويون مبنية للمجهول في الصورة اللفظية، لا في الحقيقة المعنوية، ولذلك يعربون المرفوع بها فاعلا وليس نائب فاعل".[3]
[1] : الكتاب، "سيبويه"، ج 4، ص 67.
[2] : أبن يعيش، "شرح المفصل"، ج4، ص 309.
[3] : عباس حسن، "النحو الوافي"، ج2، ص108.
:الأنباري، "أسرار العربية"، ص93[1]
: ابن يعيش، "شرح المفصل"، ج7، ص 73[2]
: ابن عقيل، ج2، ص 118-119[3]
: ابن عقيل، المرجع نفسه، ص 73-78[4]
[5] : عباس حسن، النحو الوافي، ج2 ،ص 144.
[6] : عباس حسن، النحو الوافي، ج 2 ص 144.
[7] : المرجع نفسه، ص 118.
[8] : المرجع نفسه ص 118.
[9] : ابن عقيل، ج2، ص 121.
[10] : المرجع نفسه، ص 123.
[11] : عباس حسن، النحو الوافي، ج2، ص119.
[12] :عباس حسن، النحو الوافي، ج 2، ص 120.
[13] : الأنباري، "اسرار العربية"، ص 31.
[14] : الاستربادي،" شرح الكافية"، ج4، ص 129.
[15] : ابن يعيش، "شرح المفصل"، ج 4، ص 34.
التسميات
الثانوي