تمهيد :
لقد اهتم محمد عابد الجابري في بناء
مشروعه الفكري على البحث في الكيفية التي ستحقق النهضة للأمة العربية، وإيقاظها من
سباتها العميق والانتقال بها إلى بناء مشروع تجديدي متطور.
وقد ساهم محمد عابد
الجابري في تقديمه لمشروع نقدي ضخم راجع من خلاله البنية التي تأسس عليها العقل
العربي، فحظي هذا المشروع بأهمية كبيرة وخلق ضجة كبيرة في الساحة الفكرية العربية،
أجج من خلالها إلى ظهور دراسات نقدية جديدة منها: كتاب نقد نقد العقل العربي، لجورج
الطرابيشي.
فكان الجابري بهذا
من أهم المفكرين المغاربة والعرب في الساحة الفكرية العربية، حيث يقول الدكتور علي حرب:
"ربما لا نبالغ في القول أن الدكتور محمد عابد الجابري هو أوسع المفكرين
العرب شهرة، فاسمه الآن من أكثر الأسماء تداولا في الأوساط الفكرية والدوائر
الفلسفية العربية وأفكاره تلقى رواجا لدى قطاع واسع من المثقفين والطلبة العرب".
والملاحظ أن مشروع الدكتور محمد الجابري نقد العقل العربي يضم أربعة أجزاء
أولهما:
- تكوين العقل العربي، الذي أصدره سنة 1984.
- الكتاب الثاني من السلسلة هو: بنية العقل العربي، سنة 1986.
- كتاب العقل السياسي العربي، سنة 1990.
- كتاب العقل الأخلاقي العربي، سنة 2001.
فجاءت
هذه الأعمال عبارة عن سلسلة يرتبط بعضها ببعض في نسيج فكري واحد، فكك فيه الجابري العقل العربي وأعاد فيه النظر من
خلال طرحه لمجموعة من القضايا التي هدفت إلى زعزعت وخلخلت العقل العربي راجع من
خلاله التراث العربي الإسلامي، وطرح سبل النهضة وإشكالية القيم.
ومصطلح "العقل
العربي" يحيل على ثلة من القواعد والمبادئ التي تأسس عليها العقل العربي
والذي استمدها من خلال ثقافته العربية التي جعلت عقله ينبني على المطلق الجماعي،
فأراد الجابري أن يفهم البنيات العميقة
لدى العقل العربي.
وأراد أيضا أن ينقل الفكر العربي من التجزئة إلى الوحدة، من خلال تجاوز الموروث التراثي، فقرأه بشكل حداثي مغاير
عن من سبقوه، فلا يمكن تبني التراث حسب الجابري لأنه ينتمي إلى الماضي ولأن
العناصر المقومة للماضي لا توجد كلها في الحاضر ولكن رغم ذلك لا يمكن رفض التراث
ككل لأنه مقوم أساسي من مقومات الحاضر.
المبحث الأول : محمد عابد الجابري وسؤال المنهج .
نبذة عن محمد عابد الجابري:
والتحق أيضا بجريدة التحرير المغربية سنة 1959 كسكرتير تحرير متطوع، ثم حصل
على شهادة الإجازة في الفلسفة من كلية الآداب بالرباط، وفي 1962 انتخب عضوا في
المجلس الوطني للاتحاد الوطني للقوات الشعبية،
أصدر مجلة أقلام إلى جانب الأستاذ عبد الرحمان بن عمرو والسيد إبراهيم بوعلو وأحمد السطاتي.
أصدر مجلة أقلام إلى جانب الأستاذ عبد الرحمان بن عمرو والسيد إبراهيم بوعلو وأحمد السطاتي.
ثم حصل على دبلوم الدراسات العليا في الفلسفة سنة 1967 التحق على إثرها أستاذا مساعدا بكلية الآداب بالرباط، ثم أصدر جريدة أسبوعية بإسم "فلسطين" 1968، ثم في نفس السنة أصبح مفتشا لمادة الفلسفة بالتعليم الثانوي، ثم حصل على دبلوم الدراسات العليا سنة 1969.
ليصبح أستاذا محاضرا
بالكلية نفسها، ثم حصل على شهادة دكتوراه الدولة في الفلسفة 1970، وكانت أول
دكتوراه دولة بالمغرب في مادة الفلسفة، وقد ختم الدكتور الجابري مسيرته التعليمية
سنة 2002.
ومن أهم أعماله ومؤلفاته التي لاقت إنتشارا واسعا في الأوساط العربية نجد:
- العصبية والدولة، 1971.
- أضواء على مشكل التعليم بالمغرب، 1973.
- مدخل إلى فلسفة العلوم، 1976.
- من أجل رؤية تقدمية لبعض مشكلاتنا الفكرية التربوية، 1977.
- نحن والتراث، 1980.
- الخطاب العربي المعاصر، 1982.
- تكوين العقل العربي، 1984.
- بنية العقل العربي، 1986.
- السياسة التعليمية في المغرب العربي، 1988.
- إشكالية الفكر العربي المعاصر، 1988.
- المغرب المعاصر، الخصوصية والهوية الحداثة والتنمية، 1988.
- العقل السياسي العربي، 1990.
- العقل الأخلاقي العربي، 2001 .
يتضح لنا من خلال هذا النتاج
الوافر الذي قدمه الدكتور محمد عابد الجابري أنه يتناول قضايا تربوية تعليمية بحكم
اشتغاله في المجال وإدراكه له، فقدم فيه كتاب:
- "أضواء على مشكل التعليم بالمغرب".
- "من أجل رؤية تقدمية لبعض مشكلاتنا الفكرية التربوية".
- "السياسة التعليمية في المغرب العربي".
- "القضايا العربية والمغربية".
وكذلك
يظهر لنا اهتمامه بالقضايا العلمية، من خلال كتابه "مدخل إلى فلسفة العلوم"،
كما ساهم إتقانه للغة الفرنسية بانفتاحه على الثقافة الغربية، وبذلك يعتبر الدكتور
محمد عابد الجابري مفكرا موسوعيا، ومن أبرز المفكرين المغاربة في الساحة الفكرية
المغربية والعربية.
وقد ساهم بإضافة كبيرة في الساحة العربية كفيلسوف مغربي تمكن
من تقديم مشروع نقدي تجلى في سلسلة نقد
العقل العربي الذي خلخل من خلاله بنية العقل العربي.
لكن تجدر بنا الإشارة إلى أن
العمل الذي قدمه محمد الجابري "نحن والتراث" كان عبارة عن مقدمة مهد
فيها لسلسلة نقد العقل العربي، حيث تساءل فيه عن كيفية تخليص العقل العربي من
الموروث.
منهجية الكتابة والنقد في مشروع نقد العقل العربي:
يعمد الجابري في
منهج كتابته لمشروع نقد العقل العربي على الانطلاق من الموضوع الذي يريد طرحه في
القسم أو الفصل أو الكتاب ككل، واضعا له أرضية مفاهيمية تشكل قاعدة نظرية للانطلاق
منها في باقي عناصر التحليل.
ثم يعرج بعد ذلك على تفريع الموضوعات وتشعيبها محاولا
البحث في كل التفاصيل المرتبطة بهذه الموضوعات، ويخضع هذه التفريعات لأسئلة
استفهامية يستهل بها كل مفترق طرق في هذه الترسانة المفاهيمية، ثم ينطلق في
الإجابة عنها من خلال التحليل المسترسل في الفصول .
ومع كل – كتاب من المشروع كما أشرنا – ينطلق من تقديم رؤية مختصرة للقارئ والمتلقي عموما، ليعرف الوجهة التي يبتغي ويزعم قصدها، مثل الذي حدث من خلال الانتقال من التكوين إلى البنية في قراءة العقل العربي، ليتخذ بعده نمط الكتابة وفق "نهج التسلسل المتوالد إذ كلما قدم قضية يفرع عنها أجزاءها".
وعندما ينهي شرح تلك العناصر يصل إلى إجابة
ختامية يختم بها فصوله وأقسامه. ويستمر هذا العرض التفكيكي إلى أن يقدم خاتمة لكل كتاب
يقدمها على شكل فصول هي الأخرى، تكون بمثابة تتويج لما جاء به في أقسام الكتاب.
أما فيما يتعلق بالمنهج النقدي المتبع من طرف الجابري في مشروعه، يصفه حسين الإدريسي بأنه ذلك النوع الذي يتجاوز الإيديولوجيا إلى العلم، أي تلك القراءة المستقلة عن الذاتيات، والنتائج الجاهزة التي تشكل أحكاما مسبقة جاهزة.
"ومن المعلوم أن المنهج الإبستمولوجي
لا يقوم على النظر في نتيجة الفكرمن آراء وتصورات ونظريات ومذاهب، بل يقوم على البحث في أصول التفكير ومعاييره وقواعده".
إذ يذهب إلى استخدام الآليات والأجهزة الذهنية لإنتاج المعارف، مؤكدا أن ما يخلص له من معارف هي بعيدة عن ذاتية الكاتب، وإنما هي وليدة زاوية الإبستمولوجيا.
وهذا ما يعزز
أهمية المشروع النقدية، في الساحة الثقافية، التي عرفت حركية خاصة في خضم النقاش
الذي دار في قضايا التراث وإشكالاته الفلسفية والأدبية منها والمذهبية، ولا سيما
بعدما انطلقت الأطاريح الجامعية في تناول هذا
النص الغزير بالدراسة والتحليل.
وكذا المجلات الفكرية، والمؤتمرات الثقافية، ويزكي قولنا
هذا الباحث السوري أخذا عن حسين الإدريسي في كتابه قائلا بأن:"مشروع الجابري
نقد العقل العربي يعد أحد أهم ثلاث موسوعات فكرية تناولت التراث الفكري العربي
الإسلامي في القرن العشرين".
السياق الذي جاء فيه مشروع الجابري:
قبل التعريف بمشروعه وتبيان تجليات نبوغه فيه لابد من
ذكر السياق التاريخي لوضع المنطقة العربية في تلك المرحلة، ذلك لأن مشروعه النقدي
هو بشكل من الأشكال نتيجة طبيعية للالتزام المثقف المغربي اتجاه القضايا العربية
التي تخصه بالدرجة الأولى.
ومن الأحداث التي يتميز بها العرب وكان لها الأثر الأكبر في إحداث الدجة التي تخلخل الثوابت (نكسة 1967) نكسة حزيران، والذي حصلت بعد إنجاز مهام الاستقلال وبناء الدولة الوطنية وتبلور شعارات الوحدة والتحرر والتقدم.
لقد ولدت هزيمة 1967
إشكالية مزدوجة تتصل بالهوية (الذات) والآخر (الغرب)، كما أعطى دفعة جديدة للبحث
في التراث والتعامل معه وتقديم قراءات مغايرة عن القراءات السابقة وتقديم إضاءات
جديدة للتراث العربي وفي هذه الحيثية يندرج مشروع محمد عابد الجابري".
التسميات
مقالات