مقدمة:
يعتبر المنهج الاجتماعي من المناهج السياقية الخارج نصية التي تهتم بدراسة الظاهرة الأدبية من الخارج، وهو عكس المنهج البنيوي الذي يعتبر من المناهج الداخل نصية التي تقف في حدود النص، وتدرسه كبنية مغلقة، لاغية الظروف الخارجية وحياة المؤلف (موت المؤلف).
المنهج الاجتماعي (رواده - عناصره - ملامحه) |
لقد كان أول ظهور لهذا المنهج كان في القرن التاسع عشر مع تبلور الأدب والفكر العقلاني الوضعي، على حساب الأساطير وعالم المثل، فنزل الأدب إلى الواقع وفي ذلك أشارت مدام دونسال في كتابها "الأدب وعلاقته بالمؤسسات الاجتماعية".
إلى أن الأدب يتغير بتغيير المجتمعات وبتطور العلم والفكر والقوى الاجتماعية، وقد بدأت ملامح المنهج الاجتماعي بالظهور الفعلي مع بداية القرن العشرين، مع كتابات مجموعة من المنظرين وأيضا مع رواد المذهب الماركسي، وقد انطلق هؤلاء النقاد في دراستهم من مبدأين:
- الأدب يمثل عنصرا أساسيا في البيئة الفوقية، فالأدب هو الذي يوجه المجتمع، وأيضا هو وسيلة هامة لإذكاء الوعي التاريخي للطبقات المجتمعية المختلفة.
- نظروا إلى النقد الاجتماعي أنه مرآة تعكس البنى الموجودة في البنية التحتية، ونظروا إلى الظاهرة الأدبية أنها نتاج لما يعانيه المجتمع من ظروف قاسية مختلفة.
وهي الموجهة لمسارها، والظاهرة الأدبية بهذا المعنى هي مرآة تعكس الواقع والمجتمع ومن ثمة على الناقد أن يتحرى الدقة في تتبع قضايا المجتمع وأحواله وخصوصياته.
رواد المنهج الاجتماعي :
- جورج لوكاتش:
ولد عام (1885) وتوفي
سنة (197َ1)، انطلق من مجموعة من المقدمات تعتبر أن الأعمال الأدبية لا تعبر عن
الأفراد، وإنما تعبر عن الوعي الطبقي للفئات والمجتمعات المختلفة.
بمعنى أنه وإن كان
الأديب فردا، فهو يختزل فيه ضمير الجماعة، ورؤية الجماعة التي ينتمي إليها، وله
عدة أعمال تؤطر هذا الطرح، حيث أسهم بشكل كبير في الانتقال الكبير من المنهج
التاريخي إلى الاجتماعي، من قبيل :
(الماركسية الصحيحة)،
(دراسات في الواقعية)، (التاريخ والوعي الطبقي)، (نظرية الرواية وتطورها)، (تحطيم
العقل)، (مراسلات).
- لوسيان غولدمان:
ولد عام (1913) و توفي سنة (1970)، مفكر و ناقد فرنسي من أصل روماني، شغل منصب مدير بقسم علم الاجتماع الأدبي بمؤسسة علم الاجتماع بجامعة بروكسيل الحرة، له عدة إسهامات في هذا المجال، والتي أغنت البحث في علم المناهج الذي كان يشغل بال النقاد في تلك المرحلة.
من قبيل: كتابه (من أجل علم اجتماع للرواية) (1964) و في نفس السنة (البنيات الذهنية و الإبداع الثقافي) و(الماركسية و العلوم الإنسانية) عام (1970).
العناصر التي انطلق منها المنهج الاجتماعي:
- ربط المنهج الاجتماعي الأدب بالمجتمع لأن الأديب ابن بيئته، إذ يؤثر في محيطه عن طريق الدعوة إلى الإصلاح، كما يصور هذا المنهج هموم الإنسان بكل ما يعيشه من مشكلات.
- العلاقة بين الأديب والمجتمع علاقة جدلية (تأثير وتأثر)، حيث إن الظروف التي يعيشها الأديب تبلور فكره، ونظرته للحياة والكون، أما الأديب يؤثر في مجتمعه من حيث يسهم في تطوريه وإصلاحه.
- الأدب جزء من النظام الاجتماعي وبالتالي فهو فن.
- الأدب نشاط إنساني متميز إذن فهو لا بزخرفة ولا بترف، إنما هو يقدم قيما حضارية من خلال هذا الأدب، وهو أيضا وجها من وجوه الحاجات الروحية.
- إذا كان الأدب يعكس المجتمع فهو انعكاس يصور الواقع انطلاقا من فهمه له، وانطلاقا من زاوية نظر الأديب الفنية، فهو ليس بمصور فوتوغرافي محض، بل يعكس حسب مذهب الأديب الإيديولوجي، إذ يقدم موقفه الفكري خلال عمليته النقدية فيكون بذلك ناقد الناقد.
- إذا كان الأديب في المنهج التاريخي سيركز على الجنس والبيئة والعصر، فإن الأديب في المنهج الاجتماعي يركز على العوامل التي ساهمت في إنتاج النص، وهو العامل الاقتصادي الذي يعتبر عاملا أساسيا في تشكل الأدب، بالإضافة إلى العوامل السالفة الذكر.
- ربط هذا المنهج الأدب بالجماهير، أي جعل الجماهير هي المستهدفة من الخطاب بقصد التأثير فيه، ومن ثمة فالناقد الاجتماعي أعلى من شأن الجماعة، وأكد على تأثير الأدب فيها.
ملامح
النقد الاجتماعي:
النقد الاجتماعي نقد مضموني، فهو يعنى بمضمون العمل الأدبي ويتوقف عنده في الدراسة والتحليل على حساب الشكل، فالأدب في النقد الاجتماعي ناقل للأفكار الفلسفية والسياسية والجمالية.
وهو ما يدخل هذا النقد في إطار النقد الإيديولوجي، وهو أيضا نقد تفسيري يفسر فيه مضمون العمل الأدبي، فأي دراسة اجتماعية لابد أن تهتم بالمجتمع بكل العوامل الخارجية التي تحيط به، فبدون ذلك لا يستطيع الوصول إلى الموضوعية، ومن تم لم يهتم بالأديب الذي لا يهتم بالمجتمع.
بينما أعلى من شأن الأديب الملتزم الذي يستطيع التأثير في المجتمع، وقد دعا هذا المنهج إلى الالتزام، وهو مبدأ أساسي ومعناه أن يلتزم الأديب بقضايا مجتمعه ويتجند لتطويرها والدفاع عنها.
ففي التيار الاجتماعي الماركسي، لا يقوم النص الأدبي إلا بحسب درجة الالتزام التي يعكسها عند صاحبه، والأديب الملتزم بقضايا المجتمع وبقضايا الطبقة العمالية، هو الأديب الذي يستحق هذا الاسم، ذلك أن الأدب في إطار هذا التصور يعيد شكلا من أشكال الوعي الطبقي عند الفرد في المجتمع.
وبالتالي فهذا الأدب جرد الأديب من أي دور جمالي، وهذا يتماشى مع تصور كارل ماركس، الذي يشير إلى أن لا قيمة للشكل إذا لم يكن شكلا للمضمون كذلك.
فالأديب فينظره مجرد مناضل ملتزم في الحزب الشيوعي، وظيفته بث الوعي الثوري في صفوف الجماهير، ونقل هموم الطبقية نقلا صادقا.
تأثير
المنهج الاجتماعي على النقاد العرب:
واعتبر أن اللغات الغربية أسمى من اللغة العربية، لأن هذه الأخيرة لا تواكب التطور العلمي ونادى بتركها، كما أنه رفض التراث العربي القديم والنقاد الذين يدرسون هذه النصوص القديمة، وأشاد بالأدب الإنجليزي لاتصاله بالحياة الغربية وتأثره بها.
فهو ينتقد أسلوب العيش أكثر مما ينتقد أسلوب الكتاب، وهذا خلافا لما نجده عند طبقة الأدباء التقليديين الذين يصبون اهتمامهم على الأسلوب الكتابي أكثر من أسلوب العيش.
فالأديب في هذا المقام يعنى مثلا بأسلوب الجاحظ ولا يعنى بحياة الفلاح
المصري، ولا يكتب عن مصر ونكباتها، فأدبه سلفي يجعله يعيش في عزلة، وهو هنا يشبه
أدباء القرون الوسطى في أوروبا، تصوره هذا طبعا يرجع إلى توجهه الشيوعي.
أما محمد منذور فقد نفى أن يكون الأدب مجرد وسيلة للترويح عن النفس وجعله في خدمة القضايا الاجتماعية، ويعتبر أن النقد المضموني يجب أن يتجاوز الموضوع إلى المضمون، وما يفرغه الأديب من أفكار وأحاسيس في عمله.
فالأدب والفن للحياة والمجتمع، لأن الأدب أصبح يستعمل لتطوير المجتمع، فقد اهتم بالجانب الجمالي والفني للأعمال الأدبية، فالأدب هو انعكاسات لحالات شعورية وانطباعية قبل أن يكون قيم وغايات.
فالأدب بغير هذه القيم يفقد طابعه المميز وفاعليته، فالنقد عنده يحمل وظيفة خلاقة، وغير بعيد عن هذا ينتقد منظور النزعة التاريخية في الأدب بحيث دعا إلى عدم الوقوف عنده حتى لا نصبح كمن يجمع المواد الأولية ولا يقيم البناء.
وهو هنا يشير إلى أن الأدب -
باهتمامه بالقضايا الاجتماعية - يكون ناقصا إذا لم تكن هناك صياغة فنية وجمالية
لذلك الأدب .