البناء للمجهول
تعريفه، شروطه، وبعض خصائصه.
مقالة بيد (غزلان الكن) أستاذة باحثة.
تناول اللغويون الأفعال من وجهات متعددة، ولعل البناء للمجهول شغل حيزا مهما في الدراسات النحوية القديمة، فقد عرض النحاة لظاهرة البناء للمجهول من زوايا متعددة وحاولوا تبين مواطن قوته في النحو و الصرف العربي.
ودواعي استعماله و سياقات التي تستدعيه،
فظاهرة البناء للمجهول تعتبر من الظواهر الضخمة التي تعرفها اللغات على العموم و
العربية بالخصوص، وتقديمها كظاهرة يحذف منها الفاعل كخاصية أساسية في هذا البناء،
ورصد أهم الاختلافات القائمة بين الأفعال التي تجعلها تقبل أو لا تقبل هذا البناء.
ولقد تناول القدماء البناء للمجهول من مناح
عدة، تركيبية، وصرفية، ودلالية، ووضعوا لها قواعد صارمة لضبطها، كما تناولها القدماء من حيث
أزمنتها، وزيادتها، وتجردها، وبناؤها، وإعرابها، ومن حيث صحتها وإعلالها.
سنحاول
هنا طرح أهم المناحي التي تناولها القدماء لتحليل ظاهرة البناء للمجهول ، والخصائص
المميزة لها و القوانين التي ينتظم داخلها هذا البناء.
تعريف البناء للمجهول :
- حذف الفاعل،
- وإقامة المفعول مقامه،
- وتغيير صيغة الفعل ٳلى فُعِل.
وحسب هذا، فظاهرة البناء للمجهول في اللغة
العربية تستند على مفهومين أساسين هما: " الفعل و نائب الفاعل ".
وقد تم التعبير عن البنية التي حذف منها
الفاعل بطرق متعددة، حيث أطلق عليها النحاة القدماء، و علماء اللغة مجموعة من
التسميات و العبارات، فاختلفت المصطلحات بينهم و تعددت في كتبهم، كل حسب منظوره و
زاوية تحليله للظاهرة.
ٳذ نجد "سبويه" في الكتاب[1] يستعمل مجموعة من المصطلحات: " المفعول الذي لم يتعد اليه فعل فاعل، ولم يتعده فعله ٳلى مفعول آخر ".
كما يستعمل: " المفعول الذي لم
يتهده فعله، ولم يتعده ٳليه فعل فاعل ". ويتعمل كذلك " المفعول الذي
تعداه فعله ٳلى مفعوله". و يسمي نائب الفاعل ب " مفعول بمنزلة الفاعل".
أما "المبرد" في المقتضب[2] يستعمل مصطلح: " المفعول الذي لا يذكر فاعله"، حيث عبر عنه بقوله: "هذا باب المفعول الذي لا يذكر فاعله وخو رفع نحو قولك ضُرِب زيدٌ...". ويسمي نائب الفاعل "بالقائم مقام الفاعل".
ونجد عند "ابن السراج " في الأصول[3]
يقدم مجموعة من التسميات من بينها: "المفعول الذي لم يسمم من فعل به"،
كما يصطلح على هذا البناء "فعل بُني للمجهول"، وذلك في قوله:
"ٳذا كان الاسم مبنيا على فعل بُني للمجهول، ولم يُذكر من فعل به فهو رفع،
و ذلك قولك: ضُرِب بكرٌ".
كما اصطلح عليه كذلك "لم يُذكر من فعل
به". وسماه أيضا " المبني على فعل بُني للمفعول"، حيث
عبر عنه بقوله: "ٳذا كان مبنيا على فعل بُني للمفعول، أردت به ما أردت في
الفاعل من أن الكلام لا يتم ٳلا به". و يسمي نائب الفاعل ب "القائم
مقام الفاعل".
وعبر عنه "ابن جني" في سر
صناعة الاعراب[4]
ب "ما لم يسم فاعله"، وعبر عنه في المحتسب[5]
ب "بناء الفعل للمفعول"، أما نائب الفاعل اصطلح عليه "ما أقيم مقام
الفاعل".
أما "الجرجاني" في المقتصد في شرح الايضاح[6]، اصطلح عليه "البناء للمفعول"، و عبر عنه "الزمخشري"[7] في "المفصل في النحو" ب "الفعل المبني للمفعول"، و "فعل ما لم يسم فاعله".
حيث قال: "الفعل المبني للمفعول هو ما استُغنِي
عن فاعله، فأقيم المفعول مقامه، و أسند ٳليه معدولا عن صيغة فَعَل ٳلى فُعِل، يسمي
فعل ما لم يسم فاعله".
أما "ابن يعيش" في شرح المفصل[8] استعمل مصطلح "فعل ما لم يسم فاعله"، و يسمي نائب الفاعل "المفعول الذي يقوم مقام الفاعل".
ويستعمل "ابن الحاجب" في الكافية[9]، "فعل ما لم يسم فاعله".
أما "الأستراباذي" في شرح الكافية [10]فيستعمل مصطلح "فعل ما لم يسم فاعله"، و يسمي نائب الفاعل ب "مفعول ما لم يسم فاعله".
ويعتبر مصطلح "نائب الفاعل"، من المصطلحات الأكثر استعمالا، و يعود أول ذكر لمصطلح "نائب الفاعل" ٳلى القرن السابع الهجري، عندما سماه ابن مالك في ألفيته حيث يقول:
ينوب فول به عن فاعل— فيما له كَنيلَ خَيرَ نائل[13]
وعليه، فنائب الفاعل في النحو العربي اسم مرفوع أو في محل رفع، يأتي بعد فعل تام متصرف مبني للمجهول، فيسند اليه و يحل محل الفاعل الذي حذف لسبب من الأسباب.
ويشابه نائب
الفاعل، الفاعل في جميع أحكامه، من حيث الرفع، و تبعية الفعل لكل منهما، و
يكَوِن مع الفعل جملة فعلية كاملة الأركان.
ويكون الرفع في نائب الفاعل، كما في الفاعل،
رفعا ظاهرا، أو محليا، أو تقديرا، ولا يشترط أن يجيء نائب الفاعل بعد الفعل مباشرة
فقد يفصل بينهما فاصل واحد أو أكثر.
ويسمى الفعل مع نائب الفاعل مبنيا للمجهول،
لأن الفاعل في البناء للمجهول، مجهول خفي غير معلوم، وأثره فقط هو الظاهر، و
متى بُني الفعل ٳلى المجهول وجب حذف الفاعل ولا يذكر بعدها.
ٳذا من خلال هذه التعاريف التي قدمها النحاة القدماء، ومن خلال التطور النحوي الذي قمنا برصده، نلاحظ أن هناك تعددا في المصطلحات وتداخلا فيما بينها، وهذا لا يمكن أن نرده فقط ٳلى خلافات اصطلاحية.
بل كذلك ٳلى اختلاف في التحليل، حيث نلاحظ عند "سبويه"
مثلا أن تسميته لظاهرة المدروسة مرتبطة "بالاعراب و العمل"،
ويتضح ذلك من خلال استعماله لمفهوم التعدية، حيث عبر عن ذلك بقوله: "المفعول
الذي لم يتعده ٳليه فعل فاعل، و لم يتعده فعله ٳلى مفعول آخر".
ويعني ذلك
عملية الوسم الاعرابي، أي وصول عمل الفعل ٳلى متعلقاته، بينما "المبرد"
في تسمية "المفعول الذي لا يذكر فاعله"، فهو هنا يلجأ ٳلى الأصول
النحوية في الجملة التي تتكون من فعل، و فاعل، و مفعول.
لذلك أشار ٳلى أنه لابد
لكل فعل من فاعل، و ٳذا حذف هذا الآخير اختل التركيب، لذلك كان لزاما أن يرتقي
المفعول به ٳلى حيز الفاعل، باعتبار مقصد المتكلم في الخطاب من جهة، و اعتبار
أسباب الحذف من جهة ثانية.
شروط بناء الفعل للمجهول:
لقد حدد القدماء مجموعة من الشروط تنتقل و فقها الجملة، من البناء للمعلوم ٳلى البناء للمجهول، و من هذه الشروط:
أن يكون الفعل متعديا:
عند القدماء لا يمكن أن نبني فعلا لازما للمجهول، فاذا حذف الفاعل و لم يقم مقامه مفعول، حصلنا على بنية لا حنة لا تبلغ فائدة.
يقول "الانباري" في سر صناعة الاعراب[14]:
" فاذا قيل: فلم ٳذا حذف الفاعل وجب أن يقام اسم آخر مقامه؟ قيل لأن الفعل لا
بد له من فاعل لئلا يبقى لفعل حديث عن غير محدَّث عنه فلما حذف الفاعل هاهنا، وجب
أن يقام اسم آخر مقامه، ليكون الفعل حديثا عنه، وهو "المفعول".
كما أن
القدماء أجازا أن يتعدى الفعل ٳلى مفعول مطلق، أوجار ومجرور، أو الظرف، أومصدر.
تغيير صيغة الفعل:
ٳذا بني الفعل للمجهول تطرأ عليه تغيرات صرفية تبين أنها صيغة جديدة تدل على فعل مسند ٳلى نائب فاعل وليس للفاعل.
- فإذا كان الفعل ماضيا يُضمُّ أوله فقط ويُكسَر ما قبل آخره إذا لم يكن مبدوءًا بهمزة وصل أوتاء، ولم تكن عينه ألفًا، مثلا: كَسَر----> كُسِر، أورد -----> أُورِد، أجهد ----> أُجهِد؛
- و يُضم مع أوله ثانيه إذا كان مبدوءًا بتاء مزيدة، نحو: تَعَلّم----> تُعُلِّم، تَفَهّم----> تُفُهِّم؛
- ويُضم أوله وثالثه إنْ كان مبدوءًا بهمزة وصلٍ مزيدة، نحو: انطلَق ----> اُنْطُلِق، افْتَرَس----> اُفْتُرِس؛
- وٳذا كان ثانيه أو ثالثه ألفًا زائدةً قلبت واوًا، نحو: جاهد ----> جُوهِد، تجادل ----> تُجودِل ؛
- المضعف مثل: مَدّ وشدّ تُضمُّ فاؤه: مُدَّ، شُدَّ هذا بالنسبة للماضي،
- أما المضارع فانه يُضَمّ أوله ويُفتَح ما قبل آخره، نحو: يكتُب ----> يُكْتَب؛ يتجادل ----> يُتَجادَلُ،
- أما المضارع الأجوف مثلا: تُقلَب عينه ألفا نحوً: يقول ---> يُقال؛ يُعين ----> يُعانُ...الخ.
يقول"
الانباري"[15]
في هذا الصدد: " فاذا قيل فلم وجب تغيير الفعل ٳذا بني للمفعول؟ قيل لأن
المفعول يصح أن يكون هو الفاعل، فلو لم يتغير الفعل، لم يُعلم هل هو الفاعل
بالحقيقة أم قائم مقامه ".
فالأنباري أشار ٳلى نقطة مهمة مفادها أن صيغة
الفعل وجب تغييرها في هذا البناء، لأنه لو لم نغير الصيغة لم نكن لنعلم هل الفاعل
الموجود في الجملة هو حقيقي أم هو نائب عن الفاعل.
حذف الفاعل:
لابد من حذف الفاعل في الجملة المبنية للمجهول حتى يمكن أن نسند الفعل ٳلى نائبه نحو:
ضرب زيدٌ هندًا---- > ضُرِبت هندٌ.
فكما نلاحظ في هذا المثال أنه
حذف الفاعل "زيدٌ" أثناء نقل الجملة من البناء للمعلوم، ٳلى
البناء للمجهول، فحل محل "الفاعل" المفعول الذي سيأخذ دور نائب
الفاعل.
ونستحضر هنا موقف الأنباري[16]
حيث قال: "فلم ٳذا حذف الفاعل وجب أن يقام اسم آخر مقامه؟ قيل لأن الفعل لا
بد له من فاعل لئلا يبقى الفعل حديثا عن غير محدث عنه". ويقول السراج[17]
أيضا: "لو ذكر الفاعل ما كان المفعول ٳلا نصبا و ٳنما ارتفع الفاهل لما زال
الفاعل و قام مقامه".
أخد نائب الفاعل أحكام الفاعل:
عندما يحذف الفاعل يقوم مقامه ما ينوب عنه، و تكون هذه الانابة في كل أحكامه و يعمل فيه الفعل كما يعمل في الفاعل، يقول "ابن عقيل[18]":
ينوب مفعولٌ به عن فاعل---فما لهُ، كنيلَ خبرُ نائل
وبالتالي فنائب الفاعل تجري عليه أحكام الفاعل.
أغراض بناء الفعل للمجهول:
الغرض من الفعل، ما قُصد حصوله منه، وما ذكره أهل النحو للفعل المبني للمجهول، و لعل هذه الابيات جمعت كل أغراض بناء الفعل للمجهول، جاء فيها:
يقول" ابن يعيش[20]": "وقد تُرك الفاعل إيجازا أو اختصارا لأنه يكون غرض المتكلم الإخبار عن المفعول لا غير، فتُرك الفاعل إيجازا للاستغناء عنه".
ويقول" السيوطي[21]":
"...أو قُصد ابهامه بأن لا يتعلق مراد المتكلم
يتعينه"، ويقول كذلك: "هو خوف من الفاعل، أو خوف عليه، فيستَتر ذكره".
ٳذا فحذف الفاعل من الجملة يكون للأغراض التالية:
العلم به: ٳذا
كان الفاعل معلوما لدى المتكلم، فلا تقتضي الحاجة ٳلى ذكره.
تعظيم الفاعل وتحقيره: كقولنا مثلا: "قُتل الخنزيرُ"، فيحذف اسم الله من الجملة تعظيما له.
الرئيسي في الجملة، هو فوز الحزب في الانتخابات، ولا يهم من هي الجهة التي أصدرت النتائج. فهذ الأغراض كلها تستعمل بحسب المتكلم و حاجته ٳليها.
يمكن الاطلاع أيضا على: نائب الفاعل - اللغة العربية (تتمة)
[1] :سبويه،"الكتاب"، ج1، ص 32-42.
[2] :المبرد، "المقتضب"، ج1، ص76-77.
[3] : ابن السراج، "الأصول"، ج1، ص50.
[4] :ابن جني، "سر صناعة الاعراب"، ج1، ص 148.
[5] : ابن جني، "المحتسب"، ج1، ص 135.
[6] : الجرجاني،"المقتصد في شرح الايضاح"، ص345.
[7] : الزمخشري، "المفصل في النحو"، ص 116.
[8] : ابن يعيش، "شرح المفصل"، ج7، ص69-71.
[9] :ابن الحاجب، "الكافية"، ص254.
[10] . : الاسترباذي، "شرح الكافية"، ج4، ص128.
[11]. ابن هشام، "الجامع الصغير في النحو" ص79.
[12] : ابن هشام، "مغني اللبيب"، ص 262.
[13] :ابن هشام، "أوضح المسالك ٳلى ألفية ابن مالك"، ص77
[14] : النباري، "سر صناعة الاعراب"
[15] :الأنباري، "سر صناعة الاعراب"، ج1، ص
[16] :المرجع نفسه، ص
[17] :ابن السراج، "الأصول"، ص76
: شرح ابن عقيل، ج2، ص 111-112.[18]
: ابن حيان، ج3[19]
: ابن يعيش، شرح المفصل، ج7، ص.70.[20]
:السيوطي، "همع الهوامع"، ج1، ص518.[21]
[2] :المبرد، "المقتضب"، ج1، ص76-77.
[3] : ابن السراج، "الأصول"، ج1، ص50.
[4] :ابن جني، "سر صناعة الاعراب"، ج1، ص 148.
[5] : ابن جني، "المحتسب"، ج1، ص 135.
[6] : الجرجاني،"المقتصد في شرح الايضاح"، ص345.
[7] : الزمخشري، "المفصل في النحو"، ص 116.
[8] : ابن يعيش، "شرح المفصل"، ج7، ص69-71.
[9] :ابن الحاجب، "الكافية"، ص254.
[10] . : الاسترباذي، "شرح الكافية"، ج4، ص128.
[11]. ابن هشام، "الجامع الصغير في النحو" ص79.
[12] : ابن هشام، "مغني اللبيب"، ص 262.
[13] :ابن هشام، "أوضح المسالك ٳلى ألفية ابن مالك"، ص77
[14] : النباري، "سر صناعة الاعراب"
[15] :الأنباري، "سر صناعة الاعراب"، ج1، ص
[16] :المرجع نفسه، ص
[17] :ابن السراج، "الأصول"، ص76
: شرح ابن عقيل، ج2، ص 111-112.[18]
: ابن حيان، ج3[19]
: ابن يعيش، شرح المفصل، ج7، ص.70.[20]
:السيوطي، "همع الهوامع"، ج1، ص518.[21]
التسميات
الثانوي