مقدمة:
سنقدم لكم في هذه المقالة نبذة عن حياة وأعمال نجيب محفوظ ومساره المهني، وتلخيص رواية زقاق المدق وتمظهرات الواقعية فيها.
نجيب محفوظ:
ولد نجيب محفوظ في حي الجمالية بالقاهرة عام (1911)، في الحادي عشر من
ديسمبر وقد سماه والده عرفانا وتقديرا للطبيب المعروف وقتها "نجيب باشا
محفوظ".
أمضى طفولته في أحياء القاهرة، فقد كانت أسرته من الطبقة المتوسطة،
ووالده "عبد العزيز ابراهيم" كان يعمل موظفا حكوميا وأمه
"فاطمة"، وله إخوة عدة : أربعة إخوة وأختين، وكان هو أصغرهم. وقد كرس
حياته ليجسد هموم وأحلام الطبقة الوسطى في رواياته.
درس الفلسفة في كلية الآداب بجامعة "فؤاد الأول" والتي تدعى
جامعة القاهرة حاليا، "وقد قضى أربع سنوات في الوظيفة الحكومية التي زودته
بخبرات عملية وممارسات مباشرة لحياة الناس، مكنته من الاطلاع المباشر على واقع
بيئته النفسي والاجتماعي الذي أخذ عاتقه مهمة التعبير عنه. مما سنراه بعد ذلك عند
تحليلنا لرواياته.
وسنلاحظ اهتمامه بفئة الموظفين ومعاناتهم. وقد قدم المؤلف
شخصيات تنتمي لتلك الطبقة".
وحصل نجيب محفوظ على عدة جوائز خلال رحلته الأدبية، نورد أهمها:
- جائزة نوبل للأدب (1988).
- جائزة وزارة المعارف.
- جائزة الدولة التقديرية.
- جائزة مجمع اللغة العربية.
- وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى.
- وسام الجمهورية.
- قلادة النيل العظمى.
ترجم نجيب محفوظ أول كتاب له وهو ما يزال طالبا في
الثانية عشر من عمره سنة (1932)،
تحت عنوان "مصر القديمة" لمؤلفه جيمس بيكي، نشره في البداية مسلسلا في
مجلة (المجلة الجديدة)، وهي مجلة كان يصدرها سلامة موسى في العقد الرابع منذ سنة (1933)
إلى (1939)، ويعد سلامة موسى أول قارئ لنجيب محفوظ.
بدأ كتابة القصص القصيرة في
السابعة عشر من عمره، وكانت أولى إصداراته في مجموعة قصصية سنة (1938)، تحت عنوان
"همس الجنون"، وكانت أولى رواياته الرواية التاريخية المعنونة بعبث
الأقدار عام (1939)، "وهي أول رواية يستخدم فيها محفوظ التاريخ لمعالجة
الواقع – واقع مصر – وظلت مصر الموضوع الرئيسي لنجيب محفوظ منذ البداية".
إلى أن وافته المنية، وكتب على إثرها روايات تاريخية أخرى نحو:
- 1943: رادبوس.
- 1944: كفاح طيبة.
ثم اتجه بعد ذلك إلى الروايات
الواقعية بدءا:
- 1945: القهرة الجديدة.
- 1946: خان الخليلي.
- 1947: زقاق المدق.
- 1949: بداية ونهاية.
- 1961: اللص والكلاب.
- 1964: الطريق.
- 1965: الشحاذ.
- 1966: ثرثرة فوق النيل.
لكن أبرز أعماله كانت الثلاثية
(بين القصرين – قصر الشوق – السكرية)، التي تدور أحداثها في مصر وقت الاستعمار
البريطاني، وتمتد أحداثها من (1918) إلى (1944)، وكانت آخر رواياته
"قشتمر" التي أصدرها سنة (1988)، وتوفي عام (2006)، عن عمر يناهز خمسة
وتسعين سنة بعد رحلة أدبية تقارب سبعين سنة.
رواية "زقاق المدق" :
المتن الحكائي:
لقد اهتم نجيب محفوظ بأن يعكس الآثار
المدمرة التي أحدثتها الحرب العالمية الثانية، فكتب فيما بين عامي (1940-1943)، روايتي خان الخليلي وزقاق المدق.
وتعتبر هذه الأخيرة هي الرواية الثالثة في الاتجاه الاجتماعي الواقعي، ومسرح
أحداثها في القاهرة العريقة، وتدور أحداثها في الحرب العالمية الأولى، حيث استهل
الروائي بوصف دقيق للزقاق ونقل الصورة كما هي بالتفصيل.
حيث وصف لنا الزقاق ببيوته
وطبيعة الناس الذين يعيشون فيه، وكذلك محلاته ذكر كل هذا برتابة الحياة هناك . تدور الوقائع في بيتين اثنين الأول يملكه
السيد رضوان الحسيني والذي يعيش فيه المعلم كرشة في الطابق الثالث المصاب بالشذوذ.
وكذلك زوجته وابنه حسين كرشة وفي الطابق الأول العم كامل بائع البسبوسة وعباس
الحلو صاحب صالون الحلاقة، والبيت الثاني تمتلكه الست سينية عفيفي الأرملة، بينما
تعيش في الشقة الوسطى حميدة وأمها والدكتور بوشي في الطابق الأرضي.
والرواية أساسا تتحدث عن فتاة مصرية بحتة
تجمع بين الجمال والفقر، وهي مقطوعة النسب، وتدعى حميدة، تكلفت بتربيتها عجوز
صديقة أمها المتوفاة تكنى بأم هذه الفتاة، أحبها أحد شباب الحي عباس الحلو، والذي يمتهن
الحلاقة.
باع الشاب أثاث حلاقته ليلتحق بالجيش الإنجليزي بالشمال من أجل تأمين مصاريف الزواج بحميدة،
والتي كان قد تقدم لخطبتها من أمها قبل ذهابه إلى التل الكبير.
لكن بعد عودته من
الخدمة العسكرية أبلغه أهل الحي أن حميدة اختفت مند مدة، ولم يعرف عنها أي أثر،
وراح الفتى يبحث عنها في كل شوارع القاهرة المزدحمة رفقة صديقه حسين كرشة والذي
يعد كذلك أخ حميدة بالرضاعة.
وذات مساء لمحها في عربة وأخذ يقتفي أثرها إلى أن وصل
إلى المكان الذي ترتاده، وفي يوم من الأيام كعادتها ذهبت حميدة إلى الحمام.
وإذا
بعباس الحلو يدخل إلى إحدى دور الفساد
والتي يديرها العميد المخنث ابراهيم فرج، وهي حانة يتردد عليها أفراد الجيش
الإنجليزي فلم يصدق الرجل ما رأت عيناه وفوجئ بهول ما رآه.
رأى حبيبته وزوجته التي
تخلت عنه وهربت في حالة مخلة بالحياء مع الجنود الإنجليز فناداها بصوت عال ثم صوب
نحو وجهها زجاجة خمر فشوه وجهها الجميل، لكن سرعان ما هوجم هو الاخر من طرف الجنود
الإنجليز وانهالوا عليه ضربا بالنار حتى أردوه قتيلا، مات الرجل من أجل امرأة
خائنة.
وعاد زميله حسين إلى الزقاق حاملا نبئ وفاة
صديقه عباس الحلو فحزن عليه الجميع خاصة العم كامل، ذلك أن عباس كان يلازمه طويلا
ثم بعد هذا انشغل الجميع بالتحضير لاستقبال السيد الحسيني العائد من الحج، لتعود
حياة الزقاق كما بدأت في نشاط متواصل لأهل الحي،،،.
2)- تمظهرات الواقعية
في رواية "زقاق المدق" :
- الرؤية السوداوية عند
نجيب محفوظ:
لقد عمل محفوظ على تصوير حياة الناس في الزقاق،
الذين يواجهون ظروف عيش صعبة ومعقدة، وهي رؤية تقترب من الواقعية النقدية، فالتزام
نجيب محفوظ جعله يوجه طاقته لمجتمعه.
فالتزامه ناتج عن خلفيته الاشتراكية التي تؤمن
بانتصار الطبقة الكادحة، فاختار محفوظ الواقعية الاشتراكية التي تأمن بأهمية الطبقة
الكادحة وتؤمن بحقها في الحياة الحرة الكريمة أيضا في حقها في تغيير ظروفها الصعبة
نحو الأحسن لتتحكم في نفسها بنفسها وفي أقدارها ومصيرها.
لكن محفوظ أخذ التطور بمعناه
المعاكس في هذه الرواية أي التطور إلى الأسوء، وذلك يتضح من خلال شخصية المعلم كرشة
الذي تحول من ثائر ومناضل وطني يمارس العنف الثوري، إلى ممارس للشذوذ الجنسي وتاجر
حشيش وسمسار انتخابات.
وكذلك تحولت الشخصيات التي صور مستقبلها في حتميات مأساوية تقودها
إلى مصير مظلم، نحو ما وقع لحميدة وعباس الحلو والدكتور بوشي وزيطة ،،، وغيرهم، والواقعية
تؤمن بدور الناس في تغيير مصائرهم مثلما تؤمن بأن الزمن يؤثر في الناس مثلما يؤثر في
الظواهر المختلفة.
- مبدأ الالتزام:
يتجلى مبدأ الالتزام من خلال تصوير الطبقة التي
تعمر الزقاق، وهي تمثل أبناء الحي الشعبي الذين ينحاز إليهم انحيازا لافتا،،، وهذا
الانحياز ناتج عن إيمانه بحتمية انتصار هذه الطبقة، التي في انتصارها تحقيق للخير والعدل.
فمنهج محفوظ هو الواقعية التي توحي مباشرة إلى الالتزام، وبالتالي فكل عمل أدبي هو
عمل موجه للمجتمع، والعمل الفني ليس لعبة، والمعروف أن الرواية هي أقرب الفنون الأدبية
إلى تطبيق المنهج الواقعي لأن المضمون فيها أوضح، فمحفوظ يتجه من خلال نصه إلى جمهوره
من أجل تنويره.
التسميات
الثانوي